
بالأمس ودون تخطيط، بعدما تمشّى الكافيين في جسدي وعقلي، قرّرت أن أعيد هيكلة غرفتي. بالأمس كنت أنام ملتصقة بالحائط، اليوم أنام وسط الغرفة بعيدة عن الحماية التي يمنحني ياها حائطي كما أتخيّل
بدأت بالمكتبة، قلبتها رأسًا، مسحتها بالمساحيق الخاصّة، ثمّة خطوط بنيّة لا تزول.. ثمّة بقع ألوان زيتيّة كنت قد طبعتها بعد الانتهاء من رسم لوحة لا معنى لها ولا فكرة، ابدأ الرسم لا للوصول لشكل نهائي، إنمّا بحثًا عن حالة شعوريّة أو للتخلّص من حالة شعوريّة أخرى.
قمت بلفّ السجادة الرماديّة أنا وأختي، ثم إتجهت كل واحدة منّا لتحريك سريرها في الجهة المقابلة لأنني كما قلت سابقًا – قرّرت أن أعيد ترتيب أثاث غرفتي- وأغريت أختي بأفكار مثل ( سنغيّر ترتيب الغرفة، وستتغيّر حياتنا أعدك ) ( عندما يصبح سريري مقابلًا للباب سيمنحني شجاعة النظر للاشياء ) ( عندما أتوقف عن الإعتماد على حائطي في أن يمنحني الأمان الذي أرجوه وأطلبه عندها سأحصل على ما أرجوه وأطلبه ) وهكذا…
أحضرت أختي سماعات قديمة سلكيّة كنّا قد أحضرناها من منزلنا القديم، اشتغل صوت عبدالمجيد بصوتٍ عالٍ بعد أن طلبت منها تشغيل أغنية –قامت الساعة– لأن الحالة المزاجيّة تطلب هكذا كلمات، دخل أبي ضاحكًا: ممكن أدخل المرقص حقّكم؟
هذا أبي وهذه طريقته في قول: الصوت عالي يا بنات!
وجاء الردّ مني: لازم تدخل عريان لأن تعرف مرقص وكذا (ضحكنا كلنا ترى)
في رحلة تحريك سريري الخاص، وجدت ملاك الصغيرة تحت السرير ويالها من لحظة. في عمر الأربعة أشهر أهداني عمّي الشقيق ( بطّانية ) احتفظت بها عائلتي إلى هذا الوقت من عمري لأسباب يجهلونها. مسكتها، لمستها ورفعتها لوجهي لأحتضنها، شعرت بأن قرار تغيير الغرفة كان لسبب وحيد: أن أجد بطّانية عمّو لعلّني أجد ملاك الصغيرة
تخلّصت من الكومدينات وأعيش الآن دون حائط ودون كومدينة في وسط الغرفة ومقابلة للباب، أوّل ليلة مبيت كانت مزعجة، أستيقظت مرّات عديدة لأن المكان تغيّر ولأن الحائط لم يعد موجود. هذه تصرّفات ملاك البالغة من العمر أربعة وعشرون عامًا، تبتعد عن الحائط الذي يمنحنها الأمان ليلًا لتغرس في نفسها فكرة جديدة: لا أحد سيكون حائطًا لي، ولن يكون هناك دائمًا حائط. تعوّدي على هذا واكبري.
يجيء صوت ملاك الصغيرة مفزوعًا ليقول: على الأقل نامي ببطّانية الطفولة ياخي!
ياللطافة .. تدوينة مليانة حُب ومشاعر عائلية حميمة وأحسني تحمست أغير ترتيب غرفتي
إعجابLiked by 1 person