
يقول أستاذ علم النفس بجامعة هارتفوردشاير البريطانيّة، ريتشارد وايزمان: إلى أن تتغيّر معتقدات هؤلاء الذين يشعرون بأنّهم غير محظوظون، عندها فقط بإمكانهم أن يصنعون حظوظهم الجيّدة.
أمضى ريتشارد عقدًا كاملًا في دراسة الحظّ، رغبته العارمة في فحص أثر الفرُص والإمكانيات في حيوات البشر، قادتهُ إلى حقيقة بسيطة بعد تجارب عديدة ووضّحت له لماذا بعض الأشخاص أكثر حظًا من الآخرين: الحظّ في الأصل هو مهارة وكل البشر قادرين على تعلُّمها وإكتسابها.
نشر وايزمان بحثه في الصحف والمجلّات سائلًا الأشخاص الذين يشعرون بأنهم محظوظون أو غير محظوظون بشكل دائم بأن يتواصلوا معه.. بعد سنين، ٤٠٠ امرأة ورجل من جميع الطبقات تطوّعوا للمشاركة في البحث، أصغرهم سنًا طالب في الثامنة عشر من عمره، وأكبرهم يبلغ من العمر ٨٤ عام وهو محاسب متقاعد.
جيسكا، عالمة في الطبّ الشرعي تبلغ من العمر ٤٢ عام، مثال جيّد للأشخاص المحظوظين، فهي تملك وظيفة أحلامها وإثنان من أروع الأطفال في العالم ورجل عظيم تحبّه جدًا، وبالنظر لحياتها تعرف يقينًا بأنها محظوظة في كل جانب من جوانب حياتها.
على النقيض، كارولين البالغة من العمر ٣٤ عامًا مساعدة شخصيّة، مثال جيّد ونموذجي للأشخاص الغير محظوظين، معرّضة دائمًا للحوادث، ففي اسبوع واحد إلتوى كاحلها بعد أن سقطت في حفرة، وتعرّضت لإصابة في ظهرها عندما اصطدمت بشجرة أثناء تعلُّمها درس في قيادة السيّارة.. لقد كانت غير محظوظة ايضًا في الحُبّ وشعرت دائمًا بأنها في المكان الخاطئ وفي الوقت الخاطئ ايضًا.
مع مرور السنوات، تقدّم وايزمان بمقابلة هؤلاء المتطوّعين وطلب منهم أن يجيبوا على الإستفتاءات وإختبارات الذكاء التي قدّمها لهم، ثم دعاهم للمشاركة في تجربة.. أظهرت النتائج بأنّ على الرغم من أنّ الأشخاص الغير محظوظين لا يملكون أدنى فكرة عن مسبّبات حظوظهم الجيّدة والسيّئة إلّا أن أفكارهم وتصرفاتهم هي المسؤولة بشكل كبير عن حظّهم.
إليك هذا المثال فيما يتعلّق بإغتنام الفُرص والتحديات، يغتنم الأشخاص المحظوظين الفُرص ويلاحقونها، بينما لا يفعل هذا الأشخاص الغير محظوظين.. أجرى وايزمان تجربة بسيطة لإكتشاف الفروقات بين المجموعتين وقدرتهم على ملاحظة وإغتنام الفُرص.

قام وايزمان بإعطاء المجموعتين جريدة وطلب منهم قرائتها وإخباره بعدد الصور الموجودة في الجريدة.. في المتوسّط: تطلّب الأمر من الأشخاص المحظوظين ثواني معدودة ليتوصّلوا للحل وذلك لأن الصفحة الثانية من الجريدة تحمل الإجابة التي تقول: توقّف عن العدّ! يوجد أربعة وثلاثين صورة في هذه الجريدة.
هذه الجملة أخذت نصف مساحة الصفحة وكُتبت كما لو أنها تُحدّق في عيون القارئ، لكنّ الأشخاص الغير محظوظين أخفقوا في العثور على هذه الجملة بينما لاحظها الأشخاص المحظوظين.
وللإستمتاع أكثر، قام ريتشارد بوضع الجملة بخطّ أكبر في منتصف الجريدة كاتبًا التالي: توقّف عن البحث وقل للمُختبِر بأنك رأيت الجملة وفُز بمبلغ مقداره ٢٥٠ دولار
مجددًا قام الأشخاص الغير محظوظين بتفويت الفرصة لأنهم منشغلين جدًا في عدّ الصور والبحث عنها في الجريدة
إختبار الشخصيات أظهر بأن الأشخاص الغير محظوظين هم بالعادة أكثر شدّة وحساسية من الأشخاص المحظوظين، وأظهرت نتائج البحث أن القلق يدمر قدرة الأشخاص على ملاحظة الأشياء الغير متوقعّة. في تجربة أخرى، طلب من الأشخاص أن ينظروا لنقطة متحرّكة في منتصف شاشة حاسب آلي، بدون إنذار المشتركين عن وجود نقاط كبيرة تظهر في أطراف الشاشة. لاحظ تقريبًا جميع المشاركين هذه النقاط الكبيرة.
تمت إعادة التجربة مع أشخاص مختلفين، وعُرض عليهم جائزة ماليّة لكل شخص يقوم بمشاهدة النقطة في المنتصف بدقّة، هذه الجائزة خلقت مزيد من التوتر للمشاركين، فأصبحوا مركّزين جدًا على النقطة في المنتصف وأكثر من ثُلث المشاركين فوّت مشاهدة النقاط الكبيرة عندما ظهرت على الشاشة.. فكلّما زاد التركيز قلّة الرؤية.
جنبًا إلى جنب يسير الحظّ والجرأة – ويليام شيكسبير
هذه هي الحالة مع الحظ، يفوّت الأشخاص الغير محظوظين الفرص لأنهم مركزين جدًا في البحث عن شيء آخر، فهم يذهبون للحفلات بنيّة العثور على شريك مثالي ويفقدون فرصة التعرّف على اصدقاء جيدين.. هم ينظرون إلى الجريدة مصمّمين على إيجاد نوع معين من اعلانات الوظائف وكنتيجة لهذا يفوّتون أنواع الوظائف الأخرى المتاحة، الأشخاص المحظوظون أكثر راحة وإسترخاء وإنفتاح من الآخرين، ولهذا هم يفكّرون بطريقة ما المتوفّر على الطاولة عوضًا عن ما الذي يرغبون به فقط
أظهر بحث وايزمان بأن الأشخاص المحظوظين يولّدون الحظ الجيد عن طريق أربعة مبادئ أساسية، فهم ماهرون في خلق وملاحظة الفرص، إتخاذ القرارات بالإستماع لحدسهم، خلق التوقعات الإيجابيّة، مؤكّدًا على أن التكيّف والإسلوب المرن يحوّل الحظ السيء إلى حظّ جيّد.
تسائل وايزمان ما لو كانت هذه الأربعة مبادئ تستخدم لزيادة الحظ في حيوات الناس، حتى يعرف قام بتأسيس مدرسة الحظ، تجربة بسيطة اختبر فيها ما لو كان حظ الناس قادر على التحسُّن عن طريق تعليمهم طريقة التفكير والتصرف كأشخاص محظوظين
قام بطلب مجموعة من المحظوظين والغير محظوظين من المتطوّعين أن يقضون شهر بالإلتزام بتمارين مصمّمة لمساعدتهم للتفكير والتصرُّف مثل شخص محظوظ.. هذه التمارين ساعدتهم بإقتناص الفُرص والإستماع إلى حدسهم والتوقُّع المسبق في أنّهم محظوظين، وبأن يكونوا أكثر مرونة مع قلّة الحظ التي تواجههم
بعد شهر، عاد المتطوّعون ليصفوا ما حدث لهم، النتائج كانت دراميّة: ٨٠٪ من الأشخاص الآن أكثر سعادة وأكثر رضا عن حياتهم والأهم من هذا كلّه يشعرون بأنهم أُناس محظوظون. أصبح الأشخاص المحظوظون أكثر حظًا، والغير محظوظون أصبحوا محظوظين وأخيرًا.
كارولين التي قد سردنا قصّتها في بداية المقالة، بعد أن تخرّجت من مدرسة الحظ تمكّنت من النجاح في اختبار قيادة السيارة بعد أن قضت ثلاثة سنوات من عمرها تحاول إجتياز الإختبار، ولم تعُد كما في السابق: معرّضة دائمًا للحوادث، أدى هذا كله لجعلها أكثر ثقة في نفسها.
بعد إجراء هذه الدراسات، آمن وايزمان بوجود ثلاثة تقنيات بسيطة تساعد المرء في زيادة حظّه الجيّد:
- الأشخاص الغير محظوظين غالبًا ما يتجاهلون حدسهم عند إتخاذ قرار ما، بينما الأشخاص المحظوظين يميلون لإحترام حدسهم وأصواتهم الداخليّة.
- الأشخاص المحظوظين مهتمّين بمشاعرهم وتفكيرهم إتجاه الخيارات المتعدّدة، بدلًا من النظر للأمور من وجهة نظر عقلانيّة، يعود هذا لإحساسهم الصادر من منطقة البطن فهي تعمل عمل جرس الإنذار- هذا الإحساس يدفعهم للوقوف والتفكُّر عندما يكونون ملزمين على إتخاذ قرار.
- الأشخاص الغير محظوظين هم كائنات روتينيّة، فهم يميلون لأخذ نفس الإتجاه من وإلى العمل يوميًا، والذهاب مع نفس الأشخاص إلى الحفلات دائمًا. على النقيض: الكثير من الأشخاص المحظوظين يفضّلون التعدُّديّة في حياتهم ويرحّبون بها.
- الأشخاص المحظوظين يميلون للنظر إلى حظّهم السيء من منظور إيجابي، فيتصوّرون بأن الأمور من الممكن أن تسوء أكثر من هذا، في مقابلة أخرى: متطوّع محظوظ وصل بقدم مجبّسة وقصّ كيف سقط من سلالم الطائرة، فسأله وايزمان إذا ما زال يشعر المتطوّع المحظوظ بأنه محظوظ حتى بعد أن سقط من سلالم الطائرة؟ فأجاب: أشعر بالحظّ أكثر وحمدًا للربّ كسرت ساقي لكنّني لم أكسر عنقي.
“يجب أن نعامل الحظّ كما نعامل الصحّة، نتمتّع به اذا توفّر ونصبر عليه اذا ساء.” – سوفوكليس
مترجم بتصرُّف / المقالة الأصل
[…] في حال أتت مهمة طارئة للمدير قد يبحث عن الموظف الموجود. وفي حال تأخر الموظف الآخر سيفقد التكليف بالمهمة. أيضاً المدير لديه تصوّر مبدئي أن الموظف الأول سيسلّم المهمة بأسرع وقت ممكن وهذا الشيء سيعطي المدير وقت لمراجعة العمل وتحسينه قدر الإمكان. وقس على هذا المثال أي فرصة في الحياة، في حال كنت مستعد من ناحية علم وكفاءة ولديك الوقت لتقديم عمل إضافي على اعمالك غالباً الحظ سقف معك. (ملاك كتبت عن الحظ في مدونتها) […]
إعجابLiked by 1 person